جيل “Z”.. بين طموح التغيير وشَرَك الخطاب العدمي
جيل “Z”.. بين طموح التغيير وشَرَك الخطاب العدمي

أنا من جيل “X”، ومن موقعي كمواطن مغربي مهتم بالشأن العام، لفت انتباهي مؤخرا الحراك الذي تحدثه النقاشات التي ينظمها شباب من جيل “Z” عبر منصات رقمية مثل “Discord”.
لا شك أن هذه المبادرة، في شكلها وغايتها، جديرة بالتقدير، إذ تعبر عن رغبة حقيقية في الانخراط في النقاش العمومي، ومساءلة تدبير الشأن العام، وهو ما يعتبر مؤشرا إيجابيا في مسار أي ديمقراطية ناشئة.
لكن ما يلفت الانتباه في هذه اللقاءات هو طبيعة بعض الضيوف الذين تتم دعوتهم لتأطير النقاش، ومنهم أسماء معروفة مثل بوبكر الجامعي، وتوفيق بوعشرين.. هذه الأسماء، رغم ثقلها الإعلامي، تصب في الغالب في اتجاه خطاب سوداوي يشي بأن المغرب لم يبرح مكانه منذ عقود، وهو ما يذكرنا إلى حد كبير بنبرة “حركة 20 فبراير” في سنواتها الأولى، حيث كانت تغلب النظرة العدمية على التحليل المتوازن.
لنأخذ مثلا حالة بوبكر الجامعي، الذي يبدو -من خلال مداخلاته- أن نظرته للمغرب تجمدت منذ أن توقفت جريدة لوجورنال عن الصدور بسبب مشاكل مالية ناتجة عن سوء تسييره قبل أن يفر إلى الخارج.
أما توفيق بوعشرين، ورغم تعقيد وضعه الشخصي والقانوني، فقد اختار أن يعود إلى الواجهة عبر منصات التواصل، مروجا لصورة قاتمة عن الواقع السياسي والحقوقي في المغرب، دون الإشارة إلى أي تطورات أو منجزات تحققت في العقدين الأخيرين.
النزاهة الفكرية والإعلامية تقتضي أن ننقل الصورة بكامل أبعادها، دون إنكار النواقص أو تغليف الواقع بالورود، لكن كذلك دون تعميم الإحباط أو استدعاء خطابات انتهى وقتها.
المغرب الذي نتحدث عنه اليوم هو بلد أطلق مشاريع استراتيجية كبرى مثل ميناء طنجة المتوسط، وخلق مناطق صناعية حرة في عدة مدن، وطور شبكة مطارات حديثة تغطي جهات المملكة من الداخلة إلى الحسيمة، فضلا عن شبكة طرق سيارة غيرت جذريا من واقع النقل والتنقل داخل البلاد.
قد لا ينسى توفيق بوعشرين ابن مكناس، على سبيل المثال، كم كانت الرحلة من مكناس عبر عين الكرمة، وسيدي قاسم، وسيدي سليمان، وسيدي يحيى، والقنيطرة وسلا إلى الرباط مرهقة ومضنية عبر الطرق الوطنية القديمة، قبل أن تصبح اليوم ممكنة في زمن قياسي بفضل تطوير البنية التحتية.
رسالتي إلى شباب جيل “Z” واضحة: ما دمتم تؤمنون بالإصلاح من داخل المؤسسات، ووفق مقتضيات الدستور، فإن من واجبكم أيضا أن تتسلحوا بطاقة إيجابية، وأن تفتحوا فضاءات نقاشكم لوجهات نظر متعددة، من دون السقوط في فخ الاستقطاب أو الانحياز لخطاب واحد. فالديمقراطية تبدأ أولا من الاستماع للرأي والرأي الآخر، لا من التماهي مع رؤية أحادية، قد تكون جذابة وشعبوية.
جيل “Z” قادر على صناعة الفرق، بشرط أن يبني رؤيته للمستقبل على نقد متزن، لا على جلد الذات، ذات المغرب الذي كان دائما منفتحا على شبابه من أجل ترسيخ المبادئ الحقيقية للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.