سياسة

حين انقلبت فرنسا على أهداف الشراكة الأورومتوسطية !

إن المغرب، باعتباره عضوا من ضمن الأعضاء 44 المشكّلين للاتحاد من أجل المتوسط، يساهم في دعم السلم والاستقرار بالحوض المتوسط؛ والمفروض في كل الدول الأعضاء بالاتحاد أن يكون هذا دأبها. لكن السنوات الثلاثة الأخيرة كشفت عن إخلال فرنسا بالتزاماتها السياسية والأمنية التي توجبها الشراكة المتوسطية نحو كافة الدول الأعضاء بالاتحاد، وضمنهم المغرب، البلد الذي تربطه علاقات إستراتيجية بالاتحاد الأوربي أهّلته ليستفيد من الوضع المتقدم لدى هذا الاتحاد ابتداء من سنة 2008. ففرنسا، للأسف، لم تتحرر من مخلفات تاريخها الاستعماري؛ الأمر الذي يجعلها تخرق مبادئ الشراكة المتوسطية وتناقض أهدافها.

1ـ أهداف الشراكة الأورومتوسطية.

إن الشراكة الأورومتوسطية هي تجمع إقليمي يضم في عضويته جميع الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، والبالغ عددها اليوم 44 وهي كالتالي: 28 من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي و16  دولة من الشواطئ الجنوبية والشرقية للبحر الأبيض المتوسط، لتعزيز الحوار والتعاون(ألبانيا، المغرب، البوسنة والهرسك، تركيا، مصر، إسرائيل، الأردن، لبنان، تونس، موريتانيا، موناكو، الجبل الأسود، ليبيا، سوريا والجزائر، فضلاً عن السلطة الوطنية الفلسطينية). وتبلورت فكرة الشراكة الأورومتوسطية في مؤتمر برشلونة سنة 1995 الذي وضع هدف إقامة منطقة تجارة حرة مع بلدان جنوب المتوسط بحلول 2010. وقد حدد مؤتمر القمة ببرشلونة في إسبانيا سنة 1995 ، والذي شاركت فيه 27 دولة أوربية، الأهداف الأساسية العامة المعلنة لهذه الشراكة الأورو متوسطية كالتالي:

1/ هدف أمني وسياسي: وذلك بالعمل على جعل البحر الأبيض المتوسط منطقة مشتركة للسلام والاستقرار عبر إقامة علاقات احترام بين الدول الأعضاء تقوم على تعزيز الحوار السياسي ودعم الأمن والتعاون بين جميع الشركاء المتوسطيين.

2/ هدف اقتصادي ومالي: بإرساء شراكة اقتصادية ومالية عن طريق إقامة منطقة تجارة حرة تحقق الرخاء لشعوب الحوض المتوسط.

3 / هدف اجتماعي، ثقافي وإنساني بتشجيع التقارب بين الشعوب عبر التركيز على تطوير الشراكات في بعدها الاجتماعي والثقافي والإنساني بما يساهم في تحقيق التفاهم والتعايش بين الثقافات والشعوب ويساعد على تحسين وضعية حقوق الإنسان واحترام الحقوق والحريات.

4/ تسريع معدلات التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة من خلال تحسين ظروف المعيشة وخلق فرص الشغل، مما يساعد على تضييق الفجوة التنموية بين دول الحوض المتوسطي.

يتضح، إذن، أن الأهداف الأمنية والاقتصادية هي جوهر هذه الشراكة لكونها تهدف إلى التقليل من الهجرة، خاصة السرية، نحو أوربا، وكذا التصدي لمخاطر الإرهاب والتطرف. ولن تتحقق هذه الأهداف إلا من خلال العمل على إحداث نمو متواصل ورفع مستويات المعيشة فيها من خلال دعم الإصلاح الاقتصادي وتشجيع الاستثمارات.

2 ـ تواطؤ فرنسي ـ جزائري لاستفزاز المغرب

لكن المناورات الفرنسية التي باتت تعاكس المصالح العليا للمغرب وتدفع في اتجاه تزكية النزعات العدوانية والتوسعية للنظام الجزائري، من شأنها أن تهدد الأمن والسلم في منطقة البحر المتوسط. ذلك أن التواطؤ مع النظام الجزائري ضد المصالح المغربية وتسليحه، هو إشارة ضوء أخضر لهذا النظام لمزيد من الاستفزاز والتصعيد ضد المغرب. إذ لا يمكن توفير السلم والاستقرار في المنطقة طالما ظل النظام الجزائري يؤوي ويسلح ويمول البوليساريو بمباركة من فرنسا، خصوصا بعد أن غيّرت إسبانيا موقفها وباتت تدعم، بشكل قوي، مقترح الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب سنة 2007. طبعا لم تكتف فرنسا بالتواطؤ مع النظام الجزائري، وإنما تعمل، ومنذ تولي ماكرون منصب الرئاسة، على ابتزاز المغرب عبر توظيف مؤسسات الاتحاد الأوربي لهذه الغاية (محكمة العدل الأوربية، البرلمان الأوربي..). وكانت آخر هذه المناورات الخسيسة، تجييش أعضاء برلمان الاتحاد الأوربي ضد المغرب عبر التشهير والتدخل في شؤونه الداخلية ضدا على الأعراف الدولية والاتفاقيات التي تجمع بين المغرب والاتحاد الأوربي. ففرنسا التي باتت تفقد نفوذها في إفريقيا بعد طردها من مالي وبوركينافاسو لم تدرك أن الدول الإفريقية تنزع نحو التحرر الاقتصادي وفك الارتباط مع الدول التي كانت تستعمرها. والمغرب إحدى هذه الدول التي قررت التعامل بكل ندية مع غيرها، بما فيها فرنسا، وتقطع دابر الابتزاز الذي أنهك ثروتها لعقود. والموقف السيادي الجديد الذي اتخذه المغرب يتماشى مع جوهر ما ينص عليه النظام الأساسي للاتحاد من أجل المتوسط المعتمد يوم 3 مارس 2010، والتي لخصها الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، في ضرورة أن يحترم الاتحاد المتوسطي منطق التعاون بين الأطراف وليس الاندماج، وذلك بالقبول بـ”الندية في التعاون بين مختلف الأطراف حيث تقدم مشاريع التعاون الملموسة بشكل مشترك بين دول جنوب المتوسط ودول شماله”.

3 ـ خرق فرنسي لأهداف الشراكة الأورومتوسطية

إن فرنسا، بانتهاجها أسلوب الابتزاز والتواطؤ مع أعداء الوحدة الترابية للمغرب، تضع نفسها في تناقض تام مع الأهداف التي تأسس من أجلها الاتحاد من أجل المتوسط، والتي لخصها السيد جوزيف بوريل، الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الامنية للاتحاد الأوروبي ونائب رئيس المفوضية الأوروبية، عقب المنتدى الإقليمي السادس في 29 نونبر 2011 كالتالي: “للاتحاد من أجل المتوسط ثلاثة أهداف: الاستقرار الإقليمي، والتنمية البشرية، والتكامل الاقتصادي الإقليمي. جميع الأهداف الثلاثة هي جزء من هدف عام مشترك، وهو جعل البحر الأبيض المتوسط منطقة تعاون”.

تواطؤ فرنسا ومناوراتها من شأنها أن تشجع حكام الجزائر على الزج بالمنطق في عدم الاستقرار. ذلك أن أي هجوم عسكري جزائري على المغرب ستكون له عواقب وخيمة على الأمن والاستقرار في المنطقة، وعلى الملاحة في البحر المتوسط، خصوصا في جناحه الغربي عبر مضيق جبل طارق. لهذا من مصلحة أوربا، وفرنسا على وجه الخصوص، العمل على ردع استفزازات حكام الجزائر وكبح سلوكهم العدواني ضد المغرب. وأي حسابات فرنسية ضيقة، أو رهانها على الغاز الجزائري مقابل الدعم العسكري للنظام ستكون كارثة على فرنسا وعموم أوربا من حيث إن تأثيراتها الأمنية (الهجرة السرية التي يلعب المغرب دورا أساسيا في حماية أوربا من تدفق عشرات الآلف من المهاجرين، الإرهابيون الذين يتمركزون في الصحراء الكبرى ويمنعهم المغرب من الوصول إلى الأبيض المتوسط، سيستغلون ظروف الحرب لتحقيق مشاريعهم الإرهابية التي عجزوا عن تحقيقها بفضل اليقظة الأمنية المغربية)، والتجارية(توقف الملاحة البحرية عبر ممر جبل طارق ،وكذا تدفق البضائع من أوربا نحو المغرب ومنه إلى دول الساحل والصحراء)، بالإضافة إلى انعكاسات الحرب المباشرة على تزويد أوربا بالغاز الجزائري الذي سيتوقف. إذن، على فرنسا أن تتعظ من الحرب الروسية الأوكرانية، وأما مناوراتها المكشوفة ضد المغرب فلن تزيده إلا عنادا، وأن “لي في رَاس الجمل في راس الجمّال”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى