جهات وأقاليم

التلوث المائي بالمحمدية وادي “نفيفيخ” يلفظ أنفاسه الأخيرة

إنجاز تلامذة بمجموعة مدارس العنبر الخصوصية المديرية الإقليمية سيدي البرنوصي، الدار البيضاء

إيمان رُخَيْلَة – أنوار سَعّاف – ملاك بُغْروس – هاجر الوحماني – آية لعزيز – صابرين المذكوري الزيدي

لقد عَمِل الإنسانُ، منذ فجر التاريخ، على التحكّم في ظواهر البيئة الطبيعية وإعادة تشكيلها وتذليلها لمصلحته، وتَنَامى هذا الأمرُ مع انتقال الإنسان من المجتمع الزّراعي إلى المجتمع الصناعي الحديث، عبر سلسلة من الاكتشافات العلمية والاختراعات التكنولوجية. لكنَّ ذلك لم يكن كلُّه بَرْدًا وسَلامًا على البشرية والبيئة، بل نَجَمَتْ عنه ظواهرُ خطيرةٌ تهدّد حياة الكائنات على ظهر البسيطة. ولعلّ أبرزها ظاهرة “التلوث” بمختلِف أنواعها وبشتى تجليّاتها، هاته الظاهرة التي تُعَدُّ البديل المعاصر للأوبئة والمجاعات؛ مما حَدَا بالمجتمع الدَّوْلِيّ، من حكوماتٍ ومنظّماتٍ ومؤسّساتٍ، إلى دق ناقوس الخطر. ومن بين أولئك “مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة” التي رفعت شعار: “التلوث البيئي… كوكبنا يختنق… لنبادر!” مُسْتَشْعِرَةً هَوْلَ الكارثة.

وقد يكون التلوث المائي أشدّ أنواع التلوث خطرا، إذ إنّه يَمَسُّ مادّةً حيويةً لا يمكن لأي كائن حي الاستغناءُ عنها. فما هو التلوث المائي؟ وما هي مصادره؟ وما هي نتائجه؟ وما الحلول التي يمكن اقتراحها لمعالجته أو الحدّ منه؟

للإجابة عن تلك الإشكالات، والتعرّف، عن كَثَبٍ، على هاته الظاهرة الخطيرة؛ انتقل فريقنا إلى “وادي نفيفيخ بالمحمدية”، لاستجلاء معالم الصورة، كما هي في الواقع، من عين المكان.

علماء البيئة يعرفون التلوث المائي..

يجمُل بنا، بادئ ذي بدء، استشارة علماء البيئة في تعريف التلوث المائي، قبل أن نحطّ الرحال في وادي “نفيفيخ”. يُعرّف أولئك العلماء التلوث المائي بأنّه “تغييرٌ في الصفات الكيميائية والفيزيائية والإشعاعية، يمكن أن يُسَبِّبَ الضّررَ عند استخدام هذه المياه، أو يُلْحِقَ الضّررَ بالثّروة الحيوانية أو السمكية أو البحرية الأخرى”، وبعبارة أوضحَ هو: التأثير السَّلبي على جودة المياه نتيجة دخول موادَّ غريبة إلى مركّباتها.

وَيَشْمَلُ تلوّثُ المياه تلوّثَ كافَّةِ مصادر المياه الموجودة على سطح الأرض، سواءً أَ كانت المياهُ عذبةً أم غيرَ ذلك، مِثْلَ: مياهِ البحارِ،والأنهارِ، والمحيطاتِ، والمياهِ الجوفيةِ…

هذه مصادر تلوث وادي “نفيفيخ”… فهل نعجز، حقّا، عن إيقافها؟!

يُعَدُّ وادي”نفيفيخ” واحدًا من أهمّ الأوديةِ في المغربِ، وَيَقَعُشَرْقَ مدينةِ المحمديةِ. ومِنَ الْمُؤْسِفِ أَنَّ هذا الواديَ يَتَعَرَّضُ لِتَلَوُّثٍ مَائِيٍّ بِشَكْلٍ كبيرٍ.وَتَرْجِعُ عَوَامِلُ تَلْوِيثِهِ، إِجْمَالًا، إِلَى:

  • تصريفِ مياهِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ والمياهِ العَادِمَةِ في الوادي: يَتِمُّ تفريغُ مياهِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ والمياهِ العادِمَةِ في الوادي دُونَ تَنْقِيَتِهَا أَوْ مُعَالَجَتِهَا بِشَكْلٍ مُنَاسِبٍ؛ مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى تَلَوُّثِ المياهِ بالوادي.
  • إِلْقَاءِ النُّفَايَاتِ والْمُخَلَّفَاتِ الصُّلْبَةِ في الوادِي: يَتِمُّ التَّخَلُّصُ مِنَالنُّفَايَاتِ والْمُخَلَّفَاتِ الصُّلْبَةِ بطريقةٍ غَيْرِ صِحِّيَّةٍ وَغَيْرِ مَسْؤُولَةٍ، وهذا يُؤَدِّي إلى تَلَوُّثِ المياهِ والأرضِ والهواءِ.
  • تَفْرِيغِ الزُّيُوتِ وَالشُّحُومِ مِنَ الْوُرَشِ وَالْمَصَانِعِ في الوادي: يَتِمُّ تفريغُ الزُّيُوتِ والشُّحُومِ مِنَ الْوُرَشِ وَالْمَصَانِعِ في الوادِي دُوْنَ مُعَالَجَتِهَا؛ مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى تَلَوُّثِ المياهِ وتأثيرِها على الحياةِ البحريةِ والبَرِّيَّةِ والبيئةِ الطبيعيةِ المحيطة بالوادي. وقد أكدّ الدكتور فؤاد الزَّهْرَاني، متخصّص في علوم التنمية المستدامة والبيئة أنّ ظاهرة تلوث الوديان والأنهار ظاهرة خطيرة جدا.قد تعود أسبابها إلى تسرّب مواد كيميائية إلى مركبات الماء من قِبَلِ المصانع المتاخمة للوادي أو النهر،أو من طرف مَطْرَحِ النُّفايات الذي يفرز تلك العُصَارَة الملوِّثة.

تلوّث وادي”نفيفيخ” يخلّف أضرارا جسيمة على البيئة والصِّحَّةِ العامَّةِ

يُفْضِي تلوّثُ وادي”نفيفيخ” إلى آثارٍ سَلبيةٍ عديدةٍ على البيئة والصِّحَّةِ العامَّةِ، ولَعَلّ أبْرَزَ هذه الآثارِ:

  • تلوُّثُ المياهُ: تصبحُ المياهُ في الوادي غَيْرَ صالحةٍ للاستخدامِ البشريِّ أو للحياةِ النباتيةِ والحيوانيةِ الموجودةِ فيه.
  • تَدَهْوُرُ الحياةِ البريَّةِ والبحريةِ: تتأثّرُ الكائناتُ الحَيَّةُ الموجودةُ في الوادي والمحيطِ القريبِمنه بسبب التَلَوُّثِ؛ مِمَّا يُؤَدِّي إلى انخفاضِ أعدادِ الحيواناتِ والنباتاتِ في الْمَنْطِقَةِ.
  • تَلَوُّثُ الهواءِ: تَتَوَلَّدُ رائحةٌ كريهةٌعَنْ تَفَسُّخِ الموادِّ العُضْوِيَّةِ الْمُلْقَاةِ في الوادي، فَيُسْفِرُ هذاعَنْ تَلَوُّثِ الهواءِ المحيطِ بالوادي والمناطقِ المُجَاوِرَةِ. وقد أبدت سيدة ممّن استجوبنا من ساكنة المَنْطِقة تذمّرها من ذلك، خاصّةً في فصل الصيف، حينما ترتفع درجة الحرارة؛ فتنبعث في الأجواء روائح كريهة تَزْكُمُ الأنوف.
  • اَلتَّأْثِيرُ على الصِّحَّةِ العامَّةِ: يَتَرَتَّبُعَنْ تَلَوُّثِالوادي انتشارُ الأمراضِ المُعْدِيَةِ، والتَّسَمُّمُ بسبب شربِ المياهِ المُّلَوَّثَةِ أَوْتَنَاوُلِ الأغذيةِ الَّتِي نَمَتْ في تُرْبَةٍ مُلَوَّثَةٍ أو سُقِيَتْ بِمَاءٍ مُلَوَّثٍ.

اَلتَّأْثِيرُ على الاقتصادِ: يُمْكِنُ أَنْ يُؤَثِّرَ التَّلَوُّثُ على الاقتصادِ الْمَحَلِّيِّ،فَقَدْ يَتِمُّ إِغْلَاقُ المناطقِ المُجَاوِرَةِ للوادي، إِنْ تَفَاقَمَ الْأَمْرُ؛ فَتَتَأَثَّرُأَنْشِطَةٌ، مِثْلُ: السِّيَاحَةِ والصَّيْدِ والزِّرَاعَةِ.

هذه هي الحلول… فهل من آذان صاغية توجد حلولٌ عديدةٌ للحدِّ من تَلَوُّثِ وادي”نفيفيخ”،مِنْ بَيْنِهَا:

  • تحسينُ معالجةِ مياهِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ: يمكن تحسينُ نظامِ معالجةِ مياهِ الصرفِ الصحيِّ في الْمَنْطِقَةِ المحيطةِ بالوادي، والتَّأَكُّدُ من خُلُوِّهَا من الموادِّ الضَّارَّةِ قبل إِعَادَةِ استخدامِها.
  • إعادةُ تَدْوِيرِ الموادِّ العُضْوِيَّةِ والنُّفَايَاتِ الْمَنْزِلِيَّةِ: يَجِبُ إعادةُ تَدْوِيرِ الموادِّ العُضْوِيَّةِ والنُّفَايَاتِ الْمَنْزِلِيَّةِ بَدَلًا مِنْ رَمْيِهَا في الوادِي، حَيْثُ إِنَّ تَفَسُّخَ هذه الموادِّ في الوادِي يَتَسَبَّبُ في إلحاقِ ضَرَرٍ جَسِيمٍ بالحياةِ المائِيَّةِ فيه.
  • تعزيزُ الوَعْيِ البِيئِيِّ: يُمْكِنُ إِجْرَاءُ حَمْلَاتٍ تَحْسِيسِيَّةٍ بِالْمَنْطِقَةِ الْمُحِيطَةِ بالوادِي؛ لِتَوْعِيَةِ السُّكَانِ القَرِيبِينَ مِنْهُ بِخُطُورَةِ تَلْوِيثِ مِيَاهِهِ على صِحَّتِهِمْ، وَبِأَهَمِّيَةِ المحافظةِ على البيئةِ والمواردِ المائيةِ.
  • اَلرَّصْدُ الدَّوْرِيُّ: يمكن رَصْدُ تَلَوُثِ وادي”نفيفيخ” بشكل دَوْرِيٍّ؛ للتَّأَكُّدِ مِنْ عَدَمِ تَعَرُّضِهِ لمزيدٍ مِنَ التَّلَوُّثِ، وَاتِّخَاذِ التَّدَابِيرِ اللَّازِمَةِ في الوقتِ المناسبِ، قَبْلَ فَوَاتِ الأوانِ.
  • عدم منح أي تراخيص جديدة للمصانع والمنشآت التي تطرح نفاياتٍ ملوِّثَةً في مياه الوادي.
  • سنّ قوانينَ صارمةٍ لِرَدْعِ أَيِّ سلوكٍ غيرِ سَوِيٍّ تُجَاهَ البيئةِ عموما، والثروةِ المائيةِ خصوصا، والسهرُ على تطبيقها، ومعاقبةُ مُنْتَهِكِهَا.

وَتَنْزِيلُ هذه الحلول في الواقعِ، كَفِيلٌ بالمساعدةِ في الحَدِّ من التَّلَوُّثِ في وادي “نفيفيخ”، وَبِالْإِسْهَامِ في تحسينِ جَوْدَةِ الهواءِ والمياهِ والحياةِ البَرِّيَّةِ والنَّبَاتِيَّةِ في الْمَنْطِقَةِ. إِضَافَةً إلى تَعْزِيزِ الاستدامةِ البيئيةِ والاقتصاديةِ، بِالْحِفَاظِ على المواردِ المائيَّةِ، وَادِّخَارِ تكاليفِ مُعَالَجَةِ المياهِ الْمُلَوَّثَةِ لإنجازِ الْمَشَارِيعِ التَّنْمَوِيَّةِ. لَكِنَّ ذلك يَتَطَلَّبُ التعاونَ والتَّحَرُّكَ الْمُشْتَرَكَ وَالْمَسْؤُولَ من قِبَلِ الحكومةِ والسُّلُطَاتِ الْمَعْنِيَةِ والسُّكَّانِ وَالْأَحْزَابِ السِّيَاسِيَّةِ والشَّرِكَاتِ والمُنَظَّمَاتِ والْجَمْعِيَّاتِ الْبِيئِيَّةِ.

إنّ الواقع يؤكدّ اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، أنّ رعاية البيئة تقع في قلب التنمية المستدامة. فمواجهة مظاهر تدمير البيئة، لا تقف، فقط، عند تحديد المسؤول الحقيقي عن التلوث، ولا عند عقد اللقاءات والمؤتمرات لمناقشة هذه الظاهرة، بل تتعدى ذلك كلَّه إلى ضرورة البحث الجادّ عن أفضل السُّبُل وأَقَلِّها كُلْفَةً، للحدّ من هذا التلوث وأضراره على البيئة والصحة العامة والموارد الطبيعية. فَهَلَّا بادرنا!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى