وطنية

كلمة السيد وزير العدل بمناسبة المؤتمر العالمي الرابع للقانون البيئي التابع للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة

كلمة السيد وزير العدل بمناسبة المؤتمر العالمي الرابع للقانون البيئي التابع للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة

السيدات والسادة،

الزميلات والزملاء، الأصدقاء الأعزاء،

يشرفني أن أخاطبكم اليوم، لا بصفتي ممثلاً للحكومة فحسب، بل كإنسان يشارككم القلق العميق بشأن مصير كوكبنا، الذي أصبح يتألم بصمت أمام أعيننا.

نحن هنا اليوم لنتحدث عن القانون. لكن لنكن صادقين مع أنفسنا: وراء كل فصل قانوني، وكل اتفاقية دولية، وكل سياسة بيئية، توجد أرواح بشرية تدفع ثمن التأخر، واللامبالاة، وانعدام الجرأة السياسية.

ففي سنة 2022 وحدها، تشير الأرقام إلى أن أزيد من 32 مليون شخص في العالم اضطروا إلى النزوح من مناطقهم بسبب كوارث طبيعية مرتبطة بالتغير المناخي—فيضانات، أعاصير، حرائق غابات، وجفاف. هذه ليست مجرد إحصائيات. هذه عائلات هجّرتها الطبيعة، وأطفال حُرموا من التعليم، ومجتمعات فقدت جذورها.

لقد أصبحت الأزمة البيئية أسرع وتيرةً وأكثر قسوةً. مناطق بأكملها لم تعد صالحة للسكن. المياه تندر، والأراضي الخصبة تتآكل، والتصحر يتوسع، والمجتمعات الهشة—وخاصة النساء والأطفال—هم أول من يتأثر وآخر من يُنصف.

وما يثير قلقنا اليوم أكثر من أي وقت مضى، هو أننا نلاحظ تراجع القضايا البيئية من سلم أولويات الأجندة السياسية الدولية.

العالم غارق في أزمات ملحة—أمنية، اقتصادية، جيوسياسية. نعم، كلها قضايا جدية. لكن الحقيقة التي لا يجب أن ننكرها، هي أن لا أمن طويل الأمد ولا تنمية عادلة يمكن تحقيقها فوق أرض مهددة بالفناء.

إن العدالة البيئية لا يمكن أن تكون ترفًا قانونيًا أو خيارًا سياسياً مؤجلاً. إنها رهان مصيري، وحق إنساني، ومسؤولية جماعية.

السيدات والسادة،

لقد اختارت المملكة المغربية أن لا تكون محايدة في هذا المسار. فمنذ قمة الأرض بريو دي جانيرو سنة ، مرورا      بالمصادقة على الاتفاقيات البيئية الكبرى، إلى احتضان مؤتمر بمراكش، والمصادقة على دستور     الذي كرس الحق في بيئة سليمة، عمل المغرب على بناء منظومة تشريعية متقدمة في هذا المجال.

كما تم إحداث مؤسسات فاعلة مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ومركز الحسن الثاني الدولي للتكوين في البيئة، ومؤسسة محمد السادس لحماية البيئة،  المنخرطة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وأجندة الاتحاد الإفريقي 2063.

لكننا ندرك جيدًا أن النصوص القانونية، مهما بلغت من دقة وتطور، لن تكون ذات أثر ما لم ترافقها إرادة سياسية حقيقية، وآليات فعالة للتنفيذ، وتعاون دولي صادق يضع البيئة في قلب كل السياسات العمومية.

إن حماية البيئة لم تعد خيارًا تقنيًا أو مجالًا تخصصيًا، بل أصبحت اختبارًا لقيمنا الجماعية، ولمدى التزامنا بالعدالة والإنصاف بين الأجيال.

السيدات والسادة،

إننا لا نطلب المستحيل، بل ندعو إلى شراكة عادلة ومسؤولة، تُعيد للقضية البيئية مكانتها المستحقة ضمن أولويات المجتمع الدولي، وتُعزز التكامل بين القانون والسياسة والتضامن الإنساني.

فلنغادر هذا المؤتمر بعزم متجدد، وإدراك جماعي أن مستقبلنا المشترك لا يمكن أن يُبنى على أرض يتدهور توازنها البيئي يومًا بعد يوم.

وإذ تؤمن المملكة المغربية بأهمية العمل التشاركي متعدد الأطراف، فإنها تواصل التزامها الراسخ في إطار الدينامية الإقليمية، وتحرص على تعزيز التعاون جنوب-جنوب، خاصة مع الدول الإفريقية الشقيقة، من أجل تبادل الخبرات، وتطوير القدرات، وبناء منظومة قانونية بيئية منصفة وشاملة، تُعلي من كرامة الإنسان وتحمي موارد الطبيعة.

شكراً لكم على حسن الإصغاء، وعلى التزامكم الذي نراهن عليه جميعاً من أجل غدٍ أكثر عدلاً وإنصافاً واستدامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى